فصل: الباب الثاني: في المردودة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: منهاج الوصول إلى علم الأصول



.الباب الثاني: في أركانه:

إذا ثبت الحكم في صورة المشترك بينهما وبين غيرها تسمى الأولى أصلاً، والثانية فرعاً، والمشترك علة وجامعاً، وجعل المتكلمون دليل الحكم في الأصل أصلا والإمام الحكم في الأولي أصلاً والعلة فرعاً، وفي الثانية بالعكس، وبيان ذلك في فصلين:

.الفصل الأول: في العلة:

وهي المعرف للحكم، قيل: المستنبطة عرفت به فيدور قلنا: تعريفه في الأصل، وتعريفها في الفرع، فلا دور، والنظر في أطراف:

.الطرف الأول: في الطرق الدالة في العلية:

الأول: النص القاطع: كقوله تعالي:{كيلا يكون دولة}، وقوله عليه السلام:«إنما جعل الاستئذان لأجل البصر» وقوله:«إنما نهيتكم عن لحوم الأضاحي لأجل الدافة» والظاهر:"اللام": كقوله تعالي:{لدلوك الشمس}، فإن أئمة اللغة قالوا: اللام للتعليل، وفي قوله تعالي:{ولقد ذرأنا لجهنم}
وقول الشاعر:
لدوا للموت وابنوا لخراب

للعاقبة مجازاً، و"إن" مثل: «لا تقربوه طيباً فإنه يحشر يوم القيامة ملبياً»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إنها من الطوافين عليكم والطوافات» و" الباء " مثل: «فبما رحمة من الله لنت لهم».
الثاني: الإيماء وهو خمسة أنواع: الأول: ترتيب الحكم على الوصف بالفاء، ويكون في الوصف أو الحكم، وفي لفظ الشارع، أو الراوي، مثاله: {والسارق والسارقة} «لا تقربوه طيباً»، {زنى ماعز فرجم}.
فرع:
ترتيب الحكم على الوصف يقتضي العلية، وقيل: إذا كان مناسباً، لنا أنه لو قيل: أكرم الجاهل وأهن العالم، قبح، وليس لمجرد الأمر، فإنه قد يحسن، فهو لسبق التعليل، قيل: الدلالة في هذه الصورة، لا تستلزم دلالته في الكل، قلنا: يجب دفعاً للاشتراك.
الثاني: أن يحكم عقب علمه بصفة المحكوم عليه، كقول الأعرابي: أفطرت يا رسول الله، فقال: «أعتق رقبة» لأن صلاحية جوابه، تغلب كونه جواباً، والسؤال معاد فيه تقريراً فالتحق بالأول.
الثالث: أن يذكر وصفاً لو لم يؤثر، لم يفد، مثل: «إنها من الطوافين عليكم»، «ثمرة طيبة وماء طهور» وقوله: «أينقص الرطب إذا جف»، قيل: نعم، قال «فلا إذن»، وقوله لعمر وقد سأله عن قبلة الصائم: «أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته».
الرابع: أن يفرق الحكم بين شيئين بذكر وصف، مثل: «القاتل لا يرث»، وقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يداً بيد».
الخامس: النهى عن مفوت الواجب، مثل: {وذروا البيع}.
الثالث: الإجماع، كتعليل تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب في الإرث، بامتزاج النسبين.
الرابع: المناسبة، المناسب ما يجلب للإنسان نفعاً أو يدفع عنه ضرراً، هو حقيقي دنيوي ضروري، كحفظ النفس بالقصاص، والدين بالقتال، والعقل بالزجر عن المسكرات، والمال بالضمان، والنسب بالحد على الزنا، ومصلحي كنصب الولي للصغير، وتحسيني كتحريم القاذورات، وأخروى كتزكية النفس، وإقناعي يظن مناسباً فيزول بالتأمل فيه.
والمناسبة تفيد العلية إذا اعتبرها الشارع فيه كالسكر في الحرمة، أو في جنسه، كامتزاج النسبين في التقديم، أو بالعكس، كالمشقة المشتركة بين الحائض والمسافر في سقوط الصلاة، أو جنسه في جنسه، كإيجاب حد القذف حد القذف على الشارب لكون الشرب مظنة القذف، والمظنة قد أقيمت مقام الظنون، لأن الاستقراء دل على أن الله سبحانه شرع أحكامه لمصالح العباد تفضلاً وإحساناً فحيث ثبت حكم وهناك وصف، ولم يوجد غيره ظن كونه علة، وإن لم تعتبر، هو المناسب المرسل: اعتبره مالك.
والغريب: ما أثر هو فيه ولم يؤثر جنسه في جنسه أيضاً، كالطعم في الربا، والملائم: ما أثر جنسه في جنسه أيضاً، والمؤثر ما أثر جنسه فيه.
مسألة: المناسبة لا تبطل بالمعارضة، لأن الفعل وإن تضمن ضرراً أزيد من نفعه لا يصير نفعه غير نفع، لكن يندفع مقتضاه.
الخامس: قال القاضي المقارن للحكم إن ناسبه بالذات، كالسكر للحرمة فهو المناسب أو بالتبع، كالطهارة، لاشتراط النية، فهو الشبه، وإن لم يناسب، فهو الطرد، كبناء القنطرة للتطهير، وقيل: ما لم يناسب إن علم اعتبار جنسه القريب، فهو الشبه وإلا فهو الطرد.
واعتبر الشافعي: المشابهة في الحكم، وابن علية في الصورة، والإمام: ما يظن استلزامه، ولم يعتبر القاضي مطلقاً، لنا أنه يفيد ظن وجود العلة، فيثبت الحكم، قال: ما ليس بمناسب فهو مردود بالإجماع، قلنا: ممنوع.
السادس: الدوران، هو أن يحدث الحكم بحدوث وصف، وينعدم بعدمه، وهو يفيد ظناً، وقيل: قطعاً، وقيل: لا قطعاً ولا ظناً، لنا أن الحادث له علة، وغير المدار ليس بعلة، لأنه إن وجد قبله فليس بعلة للتخلف، وإلا فالأصل عدمه.
وأيضاً: علية بعض المدارات مع التخلف في شيء من الصور، لا تجتمع مع عدم علية بعضها، لأن ما هي الدوران: إما أن تدل على علية المدار، فيلزم علية هذه المدارات، أو لا تدل فيلزم علية تلك للتخلف السالم عن المعارض، والأول ثابت، فانتفى الثاني، وعورض بمثله، وأجيب: بأن الملول قد لا يثبت لمعارض، قيل: الطرد لا يؤثر، والعكس لم يعتبر، قلنا: يكون للمجموع ما ليس لأجزائه.
السابع: التقسيم الحاصر، كقولنا: ولاية الإجبار إما أن لا تعلل أو تعلل بالبكارة أو الصغر أو غيرهما، والكل باطل سوى الثاني، فالأول والرابع للإجماع، والثالث لقوله عليه الصلاة والسلام: «الثيب أحق بنفسها»، والسبر غير الحاصر، مثل أن تقول: علة حرمة الربا إما الطعم أو الكيل أو القوت، فإن قيل لا علة لها، أو العلة غيرها، قلنا: قد بينا أن الغالب على الأحكام تعليلها، والأصل عدم غيرها.
الثامن: الطرد، وهو أن يثبت معه الحكم فيما عدا المتنازع فيه، فيثبت فيه إلحاقاً للمفرد بالأعم الأغلب، وقيل: تكفي مقارنته في صورة، وهو ضعيف.
التاسع: تنقيح المناط: بأن يبين إلغاء الفارق، وقد يقال: العلة إما المشترك، أو المميز، ولا يكفي أن يقال محل الحكم إما المشترك، أو مميز الأصل، لأنه لا يلزم من ثبوت المحل ثبوت الحكم.
تنبيه:
قيل: لا دليل على عدم عليته، فهو علة، قلنا: لا دليل على عليته فليس بعلة، قيل: لو كانت علة لتأتي القياس المأمور به، قلنا: هو دور.

.الطرف الثاني: فيما يبطل العلية:

وهو ستة:
الأول: النقض، وهو إبداء الوصف بدون الحكم، مثل: أن تقول: لمن لم يبيت تعرى أول صومه عن النية، فلا يصح، فينتقض بالتطوع، قيل: يقدح، قيل: لا مطلقاً، وقيل: في المنصوصة، وقيل: حيث مانع، هو المختار و قياساً على التخصيص، والجامع جمع الدليلين، ولأن الظني باق، بخلاف ما إذا لم يكن مانع، قيل: العلة ما يستلزم الحكم، وقيل: انتفاء المانع لم يستلزمه، قلنا: ما يغلب ظنه وإن لم يخطر المانع وجوداً أو عدماً، والوارد استثناء، لا يقدح، كمسألة العرايا لأن الإجماع أدل من النقض.
وجوابه: منع العلة لعدم قيد، وليس للمعترض الدليل على وجوده، لأنه نقل، ولو قال: ما دللت به على وجوده هنا، دل عليه ثمة، فهو نقل إلى نقض الدليل أو دعوى الحكم، مثل أن يقول السلم عقد معاوضة فلا يشترط فيه التأجيل، كالبيع، فينتقض بالإجارة، قلنا: هناك لاستقرار المعقود عليه، لا لصحة العقد ولو تقديراً، كقولنا: رق الأم علة رق الولد، وثبت في ولد المغرور تقديراً و وإلا لم تجب قيمته، أو إظهار المانع.
تنبيه:
دعوى ثبوت الحكم أو نفيه، في صورة معينة، أو مبهمة، ينتقض بالإثبات أو النفي العامين، وبالعكس.
الثاني: عدم التأثير: بأن يبقى الحكم بعده، وعدم العكس: بأن يثبت الحكم في صورة أخرى بعلة أخرى، فالأول: كما لو قيل: مبيع لم يره فلا يصح كالطير في الهواء، والثاني: الصبح لا يقصر فلا يقدم أذانه كالمغرب، ومنع التقديم ثابت فيما قصر، والأول: يقدح إن منعنا تعليل الواحد بالشخص بعلتين، والثاني حيث يمتنع تعليل الواحد بالنوع بعلتين، وذلك جائز في المنصوصة كالايلاء، واللعان، والقتل، والردة، لا في المستنبطة، لأن طن ثبوت الحكم لأحدهما يصرفه عن الآخر، وعن المجموع.
الثالث: الكسر وهو عدم تأثير أحد الجزأين ونقض الآخر، كقولهم: صلاة الخوف صلاة يجب قضاؤها، فيجب أداؤها، قيل: خصوصية الصلاة ملغى، لأن الحج كذلك، فبقى كونه عبادة، وهو منقوض بصوم الحائض.
الرابع: القلب: وهو أن يربط خلاف قول المستدل على علته ، إلحاقاً بأصله، وهو إما نفى مذهبه صريحاً، كقولهم: المسح ركن من الوضوء، فلا يكفي فيه أقل ما ينطلق عليه الاسم، كالوجه فيقول ركن فيه فلا يقدر بالربع كالوجه، أو ضمناً، كقولهم: بيع الغائب عقد معاوضة فيصح، كالنكاح، فيقول فلا يثبت فيه خيار الرؤية ومنه قلب المساواة، كقولهم: المكره مالك مكلف، فيقع طلاقه، كالمختار، فيقول فنسوي بين إقراره، وإيقاعه، أو إثبات مذهب المعترض، كقولهم: الاعتكاف لبث مخصوص فلا يكون بمجرده قربة كالوقوف بعرفة، فيقول فلا يشترط الصوم فيه كالوقوف بعرفة، قيل: المتنافيان لا يجتمعان، قلنا التنافي حصل في الفرع بغرض الإجماع.
تنبيه:
القلب معارضة، إلا أن علة المعارضة وأصلها يكون مغايراً لعلة المستدل وأصله.
الخامس: القول بالموجب وهو تسليم مقتضى قول المستدل، مع بقاء الخلاف، مثاله في النفي: أن نقول التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص فيقول مسلم ولكن لم لا يمنعه غيره، ثم لو بينا أن الموجب قائم ولا مانع غيره، لم يكن ما ذكرنا تمام الدليل وفي الثبوت: قولهم الخيل يسابق عليها فتجب الزكاة فيها كالإبل، فنقول مسلم في زكاة التجارة.
السادس: الفرق: وهو جعل تعين الأصل علة و والفرع مانعاً، والأول: يؤثر حيث لم يجز التعليل بعلتين، والثاني: عند من جعل النقض مع المانع قادحاً.

.الطرف الثالث: في أقسام العلة:

علة الحكم إما: محله، أو جزؤه، أو خارج عنه، عقلي: حقيقي، أو إضافي، أو سلبي، أو شرعي أو لغوي، متعدية أو قاصرة، وعلى التقديرات إما بسيطة أو مركبة، قيل: لا يعلل بالمحل، لأن القابل لا يفعل، قلنا: لا نسلم، ومع هذا فالعلة المعرف، قيل: لا يعلل بالحكم غير المضبوطة، كالمصالح والمفاسد، لأنه لا يعلم وجود القدر الحاصل في الأصل في الفرع، قلنا: لو لم يجز لما جاز بالوصف المشتمل عليها، فإذا حصل الظن بأنَّ الحكم لمصلحة، وجدت في الفرع يحصل ظن الحكم فيه، قيل: العدم لا يعلل به، لأن لا تتميز، وأيضاً ليس على المجتهد سبرها قلنا: لا نسلم فإن عدم اللازم متميز عن عدم الملزوم وإنما سقط عن المجتهد لعدم تناهيها، قيل: إنما يجوز التعليل بالحكم المقارن، وهو أحد التقادير الثلاثة، فيكون مرجوحاً، قلنا: ويجوز بالمتأخر، لأنه معرف قالت الحنفية: لا يعلل بالقاصرة، لعدم الفائدة، قلنا: معرفة كونه على وجه المصلحة فائدة ولنا أن التعدية توقفت على العلية، فلو توقفت هي عليها لزوم الدور، قيل: لو علل بالمركب، فإذا انتفى جزء تنتفي العلية، ثم إذا انتفى جزء آخر، يلزم التخلف أو تحصيل الحاصل، قلنا: العلية عدمية فلا يلزم ذلك و وهنا مسائل:
الأولى: يستدل بوجود العلة على الحكم، لا بعليتها، لأنها نسبة تتوقف عليه.
الثانية: التعليل بالمانع لا يتوقف على المقتضى، لأنه إذا أثر معه فبدونه أولى، قيل لا يسند العدم المستمر، قلنا: الحادث يعرف الأزلي، كالعالم للصانع.
الثالثة: لا يشترط الاتفاق على وجود العلة في الأصل بل يكفي انتهاض الدليل عليه
الرابعة: الشيء يدفع الحكم كالعدة ، أو يرفعه كالطلاق، أو يدفع ويرفع كالرضاع.
الخامسة: العلة قد يعلل بها ضدان، ولكن بشرطين متضادين.

.الفصل الثاني: في الأصل والفرع:

أما الأصل فشرطه: ثبوت الحكم فيه بدليل غير القياس، لأنهما إن اتحدا في العلة فالقياس على الأصل الأول، وإن اختلفا لم ينعقد الثاني، وأن لا يتناول دليل الأصل الفرع، وإلا لضاع القياس، وأن يكون حكم الأصل معللاً بوصف معين وغير متأخر عن حكم الفرع، إذا لم يكن لحكم الفرع دليل سواه، وشرط الكرخى: عدم مخالفة الأصل، أو أحد أمور ثلاثة: التنصيص على العلة والإجماع على التعليل مطلقاً، وموافقة أصول أخر، والحق أنه يطلب الترجيح بينه وبين غيره.
وزعم عثمان البتى: قيام ما يدل على جواز القياس عليه، وبشر المريسى الإجماع عليه، أو التنصيص على العلة، وضعفها ظاهر.
وأما الفرع فشرطه: وجود العلة فيه بلا تفاوت، وشرط العلم به، والدليل على حكمه إجمالاً، ورد بأنَّ الظن يحصل دونهما.
تنبيه:
يستعمل القياس على وجه التلازم، ففي الثبوت: يجعل حكم الأصل ملزوماً، وفي النفي: نقيضه لازماً، مثل: لما وجبت الزكاة في مال البالغ، للمشترك بينه مال الصبي، وجبت في ماله، ولو وجبت في الحلي لوجبت في اللآليء قياساً عليه، واللازم منتف، فالملزوم مثله.

.الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها:

وفيه بابان

.الباب الأول: في المقبولة منها:

وهي ستة:
الأول: الأصل في المنافع الإباحة، لقوله تعالى: {خلق لكم ما في الأرض}، {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}، {أحل لكم الطيبات}، وفي المضار التحريم لقوله عليه السلام: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، قيل على الأول: اللام تجيء لغير لنفع كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها}، وقوله: {ولله ما في السماوات}، قلنا مجاز لا تفاق أئمة اللغة على أنها للملك، ومعناه: الاختصاص النافع، بدليل قولهم الجل للفرس قيل: المراد الاستدلال، قلنا: هو حاصل من نفسه فيحمل على غيره.
الثاني: الاستصحاب حجة، خلافاً للحنفية والمتكلمين، لنا أن ما ثبت ولم يظهر زواله. ظن بقاؤه، ولولا ذلك لما تقررت المعجزة لتوقفها على استمرار العادة، ولم تثبت الأحكام الثابتة في عهده عليه الصلاة والسلام لجواز النسخ، و لكان الشك في الطلاق، كالشك في النكاح، ولأن الباقي يستغنى عن سبب جديد، أو شرط جديد، بل يكفيه دوامهما دون الحادث، ويقل عدمه لصدق عدم الحادث على ما لا نهاية له، فيكون راجحاً.
الثالث: الاستقراء، مثاله: الوتر يؤدي على الراحلة، فلا يكون واجباً، لاستقراء الواجبات، وهو يفيد الظن، والعمل به لازم لقوله عليه الصلاة والسلام «نحن نحكم بالظاهر».
الرابع: أخد الشافعي ـ رضي الله عنه ـ بأقل ما قيل، إذا لم يجد دليلاً، كما قيل: دية الكتابي الثلث، وقيل: النصف، وقيل: الكل، بناءً على الإجماع والبراءة الأصلية، قيل: يجب الأكثر ليتقن الخلاص، قلنا: حيث يتيقن الشغل والزائد لم يتيقن.
الخامس: المناسب المرسل: إن كانت المصلحة ضرورية قطعية كلية، كتترس الكفار الصائلين بأسارى المسلمين، اعتبر وإلا فلا، وأما مالك فقد اعتبره مطلقاً لأن اعتبار جنس المصالح يوجب ظن اعتباره، ولأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ قنعوا بمعرفة المصالح.
السادس: فقد الدليل بعد التفحص البليغ يغلب ظن عدمه وعدمه يستلزم عدم الحكم، لامتناع تكليف الغافل.

.الباب الثاني: في المردودة:

الأول: الاستحسان، قال به أبو حنيفة، وفسر بأنه دليل ينقدح في نفس المجتهد وتقصر عنه عبارته، ورد بأنه لا بد من ظهوره لتمييز صحيحة من فاسدة، وفسره الكرخى: بأنه قطع المسألة عن نظائرها لما هو أقوى، كتخصيص أبى حنيفة قول القائل: مالي صدقة بالزكوى، لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} وعلى هذا فالاستحسان تخصيص، وأبو الحسين بأنه ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لأقوى يكون كالطارئ، فخرج التخصيص، ويكون حاصلة تخصيص العلة.
الثاني: قيل: قول الصحابي حجة، وقيل: إن خالف القياس، وقال الشافعي في القديم إن انتشر ولم يخالف، لنا قوله تعالى: {فاعتبروا} يمنع التقليد، وإجماع الصحابة على جواز مخالفة بعضهم بعضاً، وقياس الفروع على الأصول، قيل: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم»، قلنا، المراد عوام الصحابة، قيل: إذا خالف القياس، فقد اتبع الخبر، قلنا: ربما خالف لما ظنه دليلاً ولم يكن.
مسألة: منعت المعتزلة تفويض الحكم إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم والعالم لأن الحكم يتبع المصلحة، وما ليس بمصلحة لا يصير بجعله إليه مصلحة.
قلنا: الأصل ممنوع، وإن سلم فلم لا يجوز أن يكون اختياره أمارة المصلحة وجزم بوقوعه موسى بن عمران لقوله عليه الصلاة والسلام بعدما أنشدت ابنة النضر بن الحارث: «لو سمعت ما قتلت»، وسؤال الأقرع في الحج: أكل عام يا رسول الله؟ فقال: «لو قلت ذلك لوجب» ونحوه، قلنا: لعلها ثبتت بنصوص محتملة الاستثناء وتوقف الشافعي رضي الله عنه.

.الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

وفيه أبواب

.الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر:

منعه الكرخى، وجوزه قوم، وحينئذ فالتخيير عند القاضي وأبي على وابنه، والتساقط عند بعض الفقهاء، فلو حكم القاضي بإحداهما مرة لم يحكم بالأخرى أخرى، لقوله عليه السلام لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: «لا تقض شيء واحد بحكمين مختلفين».
مسألة: إذا نقل عن مجتهد قولان في موضع واحد، يدل على توقفه، ويحتمل أن يكونا احتمالين، أو مذهبين، وإن نقل في مجلسين، وعلم المتأخر منهما فهو مذهبه وإلا حكي القولان، وأقوال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ كذلك، وهو دليل على شأنه في العلم والدين.

.الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح:

الترجيح تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى ليعمل بها، كما رجحت الصحابة خبر عائشة رضي الله عنها في التاء الختانين، على قوله صلى الله عليه وسلم ... «إنما الماء من الماء».
مسألة: لا ترجيح في القطعيات، إذ لا تعارض بينهما، وإلا ارتفع النقيضان أو اجتمعا.
مسألة: إذا تعارض نصان فالعمل بهما من وجه أولي، بأن يتبعض الحكم، فيثبت البعض، أو يتعدد، فيثبت بعضها، أو يعم فيوزع، كقوله عليه الصلاة والسلام: «ألا أخبركم بخير الشهود . فقيل: نعم، أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد»، وقوله: «ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد» فيحمل الأول على حق الله تعالى، والثاني على حقنا.
مسألة: إذا تعارض نصان وتساويا في القوة والعموم وعلم المتأخر، فهو ناسخ، وإن جهل فالتساقط أو الترجيح، وإن كان أحدهما قطعياً أو أخص مطلقاً، عمل به، وإن تخصص بوجه طلب الترجيح.
مسألة: قد يرجح بكثرة الأدلة، لأن الظنين أقوى، قيل: يقدم الخبر على الأقيسة، قلنا إن اتحد أصلها، فمتحدة، وإلا فممنوع.

.الباب الثالث: في ترجيح الأخبار:

وهو على وجوه: الأول: بحال الراوي، فيرجع بكثرة الرواة، وقلة الوسائط، وفقه الراوي، وعلمه بالعربية، وأفضليته، وحسن اعتقاده، وكونه صاحب الواقعة، وجليس المحدثين، ومختبراً، ثم معدلاً على روايته، وبكثرة المزكين، وبحثهم، وعلمهم، وحفظه، وزيادة ضبطه ولو لألفاظه عليه السلام، وداوم عقله، وشهرته، وشهرة نسبه، وعدم التباس اسمه، وتأخر إسلامه.
الثاني: بوقت الرواية، فيرجح الراوي في البلوغ، على الراوي في الصبا، وفي البلوغ، والمحتمل وقت البلوغ، على المتحمل في الصبا، أو فيه أيضاً.
الثالث: بكيفية الرواية: فيرجح المتفق على رفعه، والمحكي بسبب نزوله، وبلفظه وما لم ينكره راوي الأصل.
الرابع: بوقت وروده، فترجح المدنيات، والمشعر بعلو شأن الرسول عليه الصلاة والسلام، والمتضمن للتخفيف، والمطلق على متقدم التاريخ، والمؤرخ بتاريخ مضيق، والمتحمل في الإسلام.
الخامس: باللفظ، فيرجح الفصيح لا الأفصح، والخاص، وغير المخصص، والحقيقة، والأشبه بها، فالشريعة، ثم العرفية، والمستغنى عن الإضمار، والدال على المراد من وجهين، وبغير وسط، والمومئ إلى علة الحكم، والمذكور معارضة معه، والمقرون بالتهديد.
السادس: بالحكم، فيرجح المبقي لحكم الأصل، لأنه لو لم يتأخر عن الناقل لم يفد، والمحرم علي المبيح، لقوله عليهما السلام: «ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال» وللاحتياط ويعادل الموجب، ومثبت الطلاق والعتاق، لأن الأصل عدم القيد، ونافي الحد، لأنه ضرر، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ادرؤوا الحدود بالشبهات».
السابع: بعمل أكثر السلف.

.الباب الرابع: في تراجيح الأقيسة:

وهي بوجوده:
الأول: بحسب العلة: فترجح المظنة، ثم الحكمة، ثم الوصف العدمى، ثم الحكم الشرعي، والبسيط، ثم الوجودي للوجودي، ثم العدمى للعدمى.
الثاني: بحسب دليل العلية: فيرجح الثابت بالنص القاطع، ثم الظاهر اللام، ثم إن والباء ثم بالمناسبة، الضرورية الدينية، ثم الدنيوية، ثم التي في حيز الحاجة الأقرب اعتباراً فالأقرب، ثم الدوران في محل ثم في محلين، ثم السبر، ثم الشبه، ثم الإيماء، ثم الطرد.
الثالث: بحسب دليل الحكم، فيرجح النص ثم الإجماع لأنه فرعه.
الرابع: بحسب كيفية الحكم وقد سبق.
الخامس: موافقة الأصول في العلة والحكم، والاطراد في الفروع.

.الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء:

وفيه بابان:

.الباب الأول الاجتهاد:

وهو استفراغ الجهد في درك الأحكام الشرعية.
وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في المجتهدين:

وفيه مسائل:
الأولى: يجوز له عليه الصلاة والسلام أن يجتهد لعموم {فاعتبروا}، ووجوب العمل بالراجح، ولأنه أشق، وأدل على الفطانة فلا يتركه، ومنعه أبو علي وابنه لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى}، قلنا: مأمور به فليس بهوى، ولأنه ينتظر الوحي، قلنا: ليحصل اليأس على النص، أو لأنه لم يجد أصلاً يقيس عليه.
فرع: لا يخطئ اجتهاده، وإلا وجب إتباعه.
الثانية: يجوز للغائبين عن الرسول وفاقاً، وللحاضرين أيضاً، إذ لا يمتنع أمرهم به قيل: عرضة للخطأ، قلنا: لا نسلم بعد الإذن و ولم يثبت وقوعه.
الثالثة: لا بد أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، والإجماع، وشرائط القياس، وكيفية النظر، وعلم العربية، والناسخ والمنسوخ، وحال الرواة، ولا حاجة إلى الكلام والفقه لأنه نتيجته.

.الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد:

اختلف في تصويب المجتهدين بناء على الخلاف في أنَّ لكل صورة حكماً معيناً، وعليه دليل قطعي أو ظني والمختار ما صح عن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ أن في الحادثة حكماً معيناً عليه أمارة من وجدها أصاب، ومن فقدها أخطأ ولم يأثم، لأن الاجتهاد مسبوق بالدلالة، لأنه طلبها، والدلالة متأخرة عن الحكم، فلو تحقق الاجتهادان، لاجتمع النقيضان، ولأنه قال عليه الصلاة والسلام: {من أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر}، قيل: لو تعين الحكم، فالمخالف له، لم يحكم بما أنزل الله، فيفسق ويكفر، لقوله تعالى: {ومن لم يحكم}، قلنا: لما أمر بالحكم بما ظنه وإن أخطأ، حكم ما أنزل الله، قيل: لو لم يصوب الجميع، لما جاز نصب المخالف، وقد نصب أبو بكر زيداً رضي الله عنهما، قلنا: لم يجز تولية المبطل، والمخطئ ليس بمبطل.
فرعان:
الأول: لو رأي الزوج لفظه كناية ورأته الزوجة صريحاً، فله الطلب، ولها الامتناع، فيراجعان غيرهما.
الثاني: إذا تغير الاجتهاد، كما لو ظن أن الخلع فسخ، ثم ظن أنه طلاق، فلا ينقض الأول، بعد اقتران الحكم، وينقض قبله.

.الباب الثاني: في الإفتاء:

وفيه مسائل: الأولى: يجوز الإفتاء للمجتهد، ومقلد الحي، واختلف في تقليد الميت لأنه لا قول له، لانعقاد الإجماع على خلافه، والمختار جوازه، للإجماع عليه في زماننا.
الثانية: يجوز الاستفتاء للعامي، لعدم تكليفهم في شيء من الأعصار بالاجتهاد، وتفويت معايشهم، واستضرارهم بالاشتغال بأسبابه، دون المجتهد، لأنه مأمور بالاعتبار، قيل: معارض بعموم: {فاسألوا} و{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}.
وقول: عبد الرحمن لعثمان " أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرة الشيخين ". قلنا: الأول مخصوص، وإلا لوجب بعد الاجتهاد، والثاني في الأقضية، والمراد من السيرة لزوم العدل. الثالثة: إنما يجوز في الفروع، وقد اختلف في الأصول، ولنا فيه نظر.
وليكن هذا آخر كلامنا والله الموفق والهادي للرشاد